کد مطلب:145727 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:166

خطبة السجاد فی مجلس یزید
قال: فلم یزالوا به حتی أذن له فصعد المنبر، فحمد الله و أثنی علیه، ثم خطب خطبة أبكی منها العیون، و أوجل منها القلوب، ثم قال:

أیها الناس! أعطینا ستا و فضلنا بسیبع: أعطینا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة فی قلوب المؤمنین.

و فضلنا بأن منا النبی المختار محمدا صلی الله علیه و آله و سلم و منا الصدیق، و منا الطیار، و منا أسد الله و أسد رسوله، و منا سبطا الأمة، و منا مهدی هذه الأمة، من عرفنی فقد عرفنی، و من لم یعرفنی أبنائه بحسبی و نسبی.

أیها الناس! أنا ابن مكة و منی، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خیر من ائتزر و ارتدی، أنا ابن خیر من انعل و احتفی، أنا بن خیر من طاف و سعی، أنا ابن خیر من حج و لبی.

أنا بن من حمل علی البراق فی الهوا، أنا ابن من أسری به من المسجد الحرام الی المسجد الأقصی، أنا ابن من بلغ به جبرئیل الی سدرة المنتهی، أنا ابن من دنی فتدلی فكان قاب قوسین أو أدنی.

أنا ابن صلی بملائكة السماء، أنا ابن من أوحی الیه الجلیل ما أؤحی، أنا ابن محمد المصطفی، أنا ابن علی المرتضی.

أنا ابن مضرب خراطیم الخلق حتی قالوا: لا اله الا الله.

أنا ابن من ضرب بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بسیفین، و طعن برمحین، و هاجر الهجرتین، و بایع البیعتین، و قاتل ببدر و حنین، و لم یكفر بالله طرفة عین.


أنا ابن صالح المؤمنین، و وارث النبیین، و قامع الملحدین، و یعسوب المسلمین، و نور المجاهدین، و زین العابدین، و تاج البكائین، و أصبر الصابرین، و أفضل القائمین من آل یاسین رسول رب العالمین.

أنا ابن المؤید بجبرئیل، المنصور بمیكائیل، أنا ابن المحامی عن حرم المسلمین، و قاتل المارقین و الناكثین و القاسطین، و المجاهد أعداءه الناصبین، و أفخر من مشی من قریش أجمعین.

و أول من أجاب و استجباب لله و لرسوله من المؤمنین، و أول السابقین، و قاصم المعتدین، و مبید المشركین، و سهم من مرامی الله علی المنافقین، و لسان حكمة رب العالمین.

و ناصر دین الله، و ولی أمر الله، و بستان حكمة الله، و عیبة علمه، سمح [1] سخی، [بهی] بهلول [2] ، زكی، أبطحی، رضی، مقدام، همام، صابر، [صوام] مهذب، قوام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب.

أربطهم عنانا [3] ، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزیمة، و أشدهم شكیمة، أسد باسل، یطحنهم [4] فی الحروب، اذا ازدلفت الأسنة، و قربت الأعنة، طحن الرحا، و یذروهم فیها ذرو الریح الهشیم.

لیث الحجاز، و كبش العراق، مكی مدنی حنفی [خیفی]، عقبی، بدری،


[أحدی] شجری مهاجری.

من العرب سیدها، و من الوغی لیثها، وارث المشعرین، و أبو السبطین الحسن و الحسین، ذاك جدی علی بن أبی طالب.

ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سیدة النساء.

فلم یزل یقول: أنا أنا حتی ضج الناس بالبكاء و النحیب، و خشی یزید لعنه الله أن یكون فتنة، فأمر المؤذن، فقطع علیه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر [الله أكبر].

قال علی علیه السلام: لا شی ء أكبر من الله تعالی.

فلمأ قال: أشهد أن لا اله الا الله.

قال علی بن الحسین علیه السلام: شهد بها شعری و بشری و لحمی و دمی.

فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

التفت علیه السلام من فوق المنبر الی یزید لعنه الله فقال: محمد هذا؛ جدی أم جدك یا یزید؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت أنه جدی فلم قتلت عترته؟

قال: و فرغ المؤذن من الأذان و الاقامة، و تقدم یزید لعنه الله فصلی صلاة الظهر [5] .

و فی روایة أبی مخنف: و أمر رجلا یصعد المنبر و یسب الحسین علیه السلام، ففعل ذلك لعنه الله تعالی.

فقال علی بن الحسین علیه السلام للرجل: بالله علیك الا ما أذنت لی أن أصعد


المنبر و أتكلم بكلام فیه رضی الله و رسوله.

فقال له: اصعد المنبر یا غلام! و قل ما بدا لك، و اعتذر الرجل الیه.

قال: فصعد علیه السلام فجعل یتكلم بكلام الأنبیاء بعذوبة لسان، و فصاحة و بلاغة، فأقبل الیه الناس من كل مكان، و قال:

أیها الناس! من عرفنی فقد عرفنی، و من لم یعرفنی فأنا أعرفه بنفسی، فأنا علی بن الحسین بن علی المرتضی صلوات الله و سلامه علیهما.

أنا ابن من حج ولبی، أنا ابن من طاف وسعی، أنا ابن زمزم و الصفا.

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن المذبوح من القنا، أنا ابن العطشان حتی قضی، أنا ابن من منعوه من الماء و أحلوه علی سائر الوری.

أنا ابن محمد المصطفی، أنا ابن صریع كربلاء، أنا ابن من راحت أنصاره تحت الثری، أنا ابن من غدت حریمه أسری، أنا ابن من ذبحت أنصاره [6] من غیر سوی ء، أنا ابن من أضرم الأعداء فی خیمته لظی، أنا ابن من أضحی صریعا بالعری.

أنا ابن من لا غسل و لا كفن یری، أنا ابن من رفع رأسه علی القنا، أنا ابن من هتك حریمه بأرض كربلا، أنا ابن من جسمه بأرض و رأسه بأخری، أنا ابن من لا یری حوله غیر الأعداء، أنا ابن من سبیت حریمه الی الشام تهدی، أنا ابن من لا له ناصر و لا حمی.

ثم انه صلوات الله علیه انتحب و بكی، ثم قال:

أیها الناس! فضلنا الله تعالی بخمس خصال: فینا والله؛ مختلف الملائكة،


و معدن الرسالة، و فینا نزلت الایات، و نحن قدنا العالمین للهدی، و فینا الشجاعة فلم نخف بأسا، و البراعة و الفصاحة اذا افتخر الفصحاء.

و فینا الهدی الی سواء السبیل، و العلم لمن أراد أن یستفید علما، و المحبة فی قلوب المؤمنین من الوری، و لنا الشأن الأعلی فی الأرض و السماء.

لو لا نا ما خلق الدنیا، و كل فخر دون فخرنا یهوی، و محبنا یسقی، و باغضنا یوم القیامة یشقی.

قال: فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء والنحیب و علت الأصوات فی الجامع، فخاف یزید لعنه الله الفتنة و خشی أن تمیل قلوب الناس الیه، فأمر المؤذن أن یقطع علیه خطبته، فصعد المؤذن و قال: الله أكبر.

فقال علی علیه السلام: كبرت كبیرا، و عظمت عظیما، و قلت حقا.

فقال المؤذن: أشهد أن لا اله الا الله.

فقال علیه السلام: أشهد بها مع كل شاهد، و أتحملها [7] مع كل جاحد.

فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

فبكی علی بن الحسین علیه السلام و علا منه الصیاح، و قال: سألتك بالله یا یزید! محمد جدی أم جدك؟

فقال: جدك.

فقال علیه السلام: فلم قتلت أهل بیته، و قتلت أبی، و أیتمتنی علی صغر سنی.

فلم یرد علیه جوابا و دخل داره، و قال: لا حاجة لی بالصلاة.

قال: فقام المنهال [بن عمر] الی علی بن الحسین علیه السلام فقال: كیف أصبحت یابن رسول الله؟


فقال له الامام علیه السلام: كیف حال من أصبح و قد قتل أبوه، و قل ناصره، و ینظر الی حرم من حوله أساری، قد فقدوا الستر و الغطاء، و قد أعدموا الكافل و الحمی، فهل ترانی الا أسیرا ذلیلا قد عدمت الناصر و الكفیل، قد كسیت أنا و أهل بیتی ثیاب الأسی، و قد عدمت [8] علینا جدید العری، فان تسأل فها أنا كما تری قد شمت [9] فینا الأعداء، و نترقب الموت صباحا و مساء.

ثم قال: قد أصبحت العرب تفتخر علی العجم، بأن محمدا صلی الله علیه و آله و سلم منهم، و أصبحت قریش تفتخر علی سائر الناس، بأن محمدا صلی الله علیه و آله و سلم منهم، و نحن أهل بیته أصبحنا مقتولین مظلومین، قد حلت بنا الرزیات، نساق سبایا، و نجلب هدایا، كأن حسبنا من أسقط الحسب، و منتسبنا من أرذل النسب، كأن لم نكن هام المجد [و] رقینا، و علی بساط الجلیل سعینا، و أصبح الملك لیزید لعنه الله و جنوده، و أضحت بنو المصطفی من أدنی عبیده.

قال: فعلت الأصوات من كل جانب بالبكاء و النحیب، لما أتی به من الكلام الغریب، و قد نطق بالحق المصیب.

قال: فخشی یزید لعنه الله الفتنة، لأن جمیع الناس أصغت الی ما قاله، و انغرست محبتهم له فی قلوبهم.

فقال یزید لعنه الله للذی أصعده المنبر: لم أصعدت هذا الغلام المنبر، انما أردت بصعوده زوال ملكی [10] .

فقال المؤذن: والله؛ ما علمت أن هذا الغلام یتكلم بمثل هذا الكلام.


فقال یزید لعنه الله: أما علمت أن هذا من أهل بیت النبوة، و معدن الرسالة.

فقال له المؤذن: [اذا كان كذلك] فلم قتلت أباه، و أیتمته علی صغر سنه؟

قال: فأمر یزید لعنه الله بضرب عنق المؤذن [11] .


[1] الظاهر أنه عليه السلام تغير الاسلوب من قوله عليه السلام: «سمح سخي» الي آخر الفقرات، و كون أبوالسبطين بالرفع دليل عليه، «منه رحمه الله».

[2] البهلول - كسر سور -: الضحاك و السيد الجامع لكل خير، «منه رحمه الله».

[3] عنان - لكتاب -:... اللجام، الجنان - بالفتح -: القلب الذي تمسك به الدابة، جمع أعنة و عنن، «منه رحمه الله».

[4] طحن البر كمنع، و طحنته: جعله دقيقا «منه رحمه الله».

[5] البحار: 139 - 137 / 45، مع اختلاف يسير في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من البحار.

[6] في المصدر: أطفاله.

[7] في المصدر: و اقربها.

[8] في المصدر: حرم.

[9] شمت - كفرح - شماتا و شماتة: فرخح ببلية العدو، «منه رحمه الله».

[10] في المصدر: ويحك! أردت بصعوده زوال ملكي.

[11] مقتل الحسين عليه السلام: 218 - 213، مع اختلاف في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من المصدر.